عدد المساهمات : 4 نقاط : 248969 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 23/09/2010
موضوع: كن ربانيا ولا تكن رمضانيا الأحد سبتمبر 26, 2010 4:23 pm
التي نقضت غزلها
الحمدلله رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وإمامالأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يومالدين. حكاية اليوم حكاية عجيبة:- إنها حكاية امرأة اتخذت مِغزلاً قدرَ ذراعٍ، وصَنّارةً مثلَ أصبع،وفلكةً عظيمةً على قدرها، فكانت تغزِل الصوف هي والعاملات معها من الصباحإلى المساء، حتى صنعن شيئاً عظيماً، وبعد أن أتممنه ونسجنه وأحسنَّه؛ إذابها تأمر العاملات فينقُضْن ما غزَلْن، وتمسك الفتلة الأساسية تشدهافَتَكُر كلَّ الذي عملتْه طوالَ النهار، فيعود مرةً أخرى خيطاً كما كان،وفي اليوم الثاني ظلتْ تعمل هي ومََن معها من الصباح إلى المساء، وفي آخرالنهار تسحب الفتلة مرة أخرى، فيعود خيطاً كما كان، وهكذا كانت تعمل معهنكل يوم، فكل الذي يعملنه طول النهار يضيعنه في لحظة حين ينقضن هذا الغزل. مارأيكم في هذا التصرف ؟ هل هذه المرأة عاقلة؟ لو أن أحد مِنَّا مكانها هلكان سيعمل هكذا مثلها؟ يجلس طوال النهار يعمل وفي آخر النهار يضيع عمله فيلحظة؟ في الحقيقة، إن كثيراً من العقلاء يعملون هذا وهم لا يشعرون. نصومرمضان، ونقوم ليله، ونتعب فيه، ثم يأتي العيد فننسى أننا كنا في رمضان،ونضيع ما أتعبنا فيه أنفسنا، ونضيع صياماً طويلاً وقياماً طويلاً وعملاًمتواصلاً. اجتهاد عظيم في رمضان، ثم تُفاجأ في أول شوال أن الذي كان يصليالفجر لم يعد يصلي الفجر، والذي كان يصلي العشاء في جماعة لم يعد يحافظعلى الجماعة، والذي كان محافظاً على لسانه بدأ يطلق لسانه بما لا يليق. شيءعجيب جداً! دار سينما تُعلّق إعلاناً كبيراً على الطريق من أول رمضان تقولفيه: «السينما مغلقة بمناسبة شهر رمضان الكريم» بالأمس بدأتْ في الإعلانعن أفلام العيد، وكأنما كل ما كان في رمضان انتهى، وكأن رمضان هذا شرطييمسك المتلبِس، فإذا مضى فالأمر كما تقول العامة في مصر: «غاب القط العبيا فأر». نحنللأسف نقع في هذا الخطأ كثيراً، حينما نعبد الله سبحانه وتعالى في رمضانثم نهمل هذه العبادة بعد رمضان، وقد نبهنا الله عز وجل وحذَّرنا من هذاالسلوك الخاطئ، فقال سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل: 92). وأنكاثا: يعني أنقاضاً جَمْعُ نِكْثٍ، وَهُوَ الْغَزْلُ المَنْقُوضُ. يعنيلا تفعلوا مثل هذه المرأة، فالإنسان الذي صام وجاع وعطش ومنع نفسه منالمباحات، وأتعب نفسه غاية التعب، وقام الليل، وقرأ القرآن، وفَعلالخيرات، وتصدق، وحفظ العين واللسان، ثم يخرج من رمضان فيفسد كل ما كانيعمله، وينهمك في المحرمات وترك الطاعات، هو أشبه شيء بهذه التي نقضتغزلها من بعد قوة أنكاثا. يجبأن يكون لنا وقفةٌ في آخر الشهر الكريم نعاهد الله فيها أن نستمر على ماكنا عليه في رمضان، فما الذي يمنعنا أن نحافظ على الفجر وعلى صلاة الجماعةكما نحافظ في رمضان؟ وما الذي يمنعنا أن نحفظ ألسنتنا كما حفظناها فيرمضان؟ هل غاب رب رمضان مع غياب رمضان؟ لقد جعل الله رمضانَ فرصةًليتعوَّد الإنسان عادات الخير، يتعوَّد الذي لا يصلي الفجر أن يصلي الفجرويعتاد عليه، ويتعوَّد الذي لا يصلي في جماعة أن يصلي في جماعة، ويعتادعليها، ويتعوَّد الذي لا يتطوَّع ولا يقوم الليل أن يقوم الليل، فيقوم بعدرمضان ويصلي ليلة بعد ليلة لله رب العالمين، ويتعوَّد الإنسانُ على حفظاللسان فيخرج من رمضان محافظاً على لسانه، وهكذا. فهذه هي ثمرة الصومالحقيقة. ولهذادعا النبي صلي الله عليه وسلم إلى الدوام على ما اعتاد المرء من الخير منغير تفريط، فأخرج البخاري عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضيالله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» وكانصلى الله عليه وسلم يداوم على أعمال الخير، ويدعو إلى المداومة عليها،فأخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّصلي الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» وأخرج مسلم عنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ» ثمرةرمضان الحقيقة تظهر بعد رمضان، فمن استمرَّ على أخلاق رمضان وعلى عباداترمضان وعلى طاعات رمضان فهذا بالفعل قد أدى صياماً صحيحاً مقبولاً، واللهتعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة: 183). وأخرج الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي اللهعنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا في سَبِيلِ اللهِ بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». سبعين سنة بينه وبين النار إذا صح صيامه. الصيامالذي يجعل العبد يباعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً هو الصيام الذييحقق في الدنيا التقوى، ومن ثَمَّ يحقق النجاة في الآخرة؛ لأنَّ الصيامإما أنه صحيح فأنتج أثراً نلمسه، وبالتالي حين نلقى الله نطمئن أنه سيعطينفس الأثر وينجينا من عذاب النار، وإما أنه لا يعطي الأثر في الدنيا فلنيعطيه في الآخرة، فالصيام الذي لا يحقق لصاحبه التقوى لا يتوقع أن ينجيصاحبه من عذاب الله رب العالمين. نحنأمام اختبار بعد رمضان، ينبغي أن نكون فيه عقلاء لا ننقض ما غزلنا، ولانضيع ما بذلنا فيه جهدنا، ولا ننكث بعهد الله الذي عاهدناه. اللهمَّثبتنا على الطاعات التي كنا عليها في رمضان، وزدنا منها يا رحيم يا رحمن،اللهمَّ ثبتنا على كل خير واحفظنا من كل شر، واجعلنا ممن يداومون على فعلالخيرات وترك المنكرات، بحولك وقوتك يا أرحم الراحمين، واغفر لنا في خاتمةالشهر الكريم ولأحبابنا وذوينا ولسائر المسلمين، إنك يا ربنا على كل شيءقدير وبالإجابة جدير. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.